في صباح العيد، حين تشرق الشمس على أرض السودان، تتسلل أشعتها إلى قلوب أنهكها التعب، وترسم على الوجوه المجهدة الصابرة ابتسامة رجاء. رغم الدخان، ورغم البُعد، ورغم أصوات لم تكن في الأصل من طقوس العيد… يبقى العيد عيدًا، ويبقى القلب السوداني مملوءًا بالحنين، بالأمل، وبذاك الإيمان العجيب الذي لا يهتز مهما عصفت به العواصف.
العيد ليس مجرد مناسبة، بل هو وقفة روحية، لحظة نُقدّم فيها الأضحية لا بأيدينا فقط، بل بقلوبنا، بصبرنا، بثباتنا. نُضحي لنثبت أن الخير لا يُطفأ، حتى حين تحيط بنا المحن. فكما فدى الله نبيّه إسماعيل بكبش عظيم، فإن لكل محنة فداء، ولكل وجع نهاية، ولكل انتظار فجراً قادماً لا محالة.
اليوم، ورغم الظروف الصعبة، ورغم الوجع الذي يعرفه السودانيون جيدًا، يلبسون العيد لا على أجسادهم، بل في مسام الروح والأعين .
فالسوداني لا يُغادر وطنه قلبه مهما ابتعد جسده. العيد عنده يبدأ بنداءٍ داخلي:
“اصبر، الخير جايي… ولو طال السفر.” ..
وإن غاب الخروف، حضرت المحبة، حضر الجار الذي يعطي مما عنده، والطفل الذي يضحك بثوبه المتواضع كأنه أمير.
ورغم الشوق للأهل، تصنع الأسر السودانية أفراحها بذكريات التحايا”، وعبارة “القابلة زي ماعاوز”، التي تأخذك من غربتك لحضن الوطن.
فالعيد ليس لمن يملك الكثير، بل لمن يمنح الكثير من قلبه، من دُعائه، من إيمانه، ومن يقينه بأن الله لا ينسى عباده .
ونتذكّر…
البلاء يمضي، والليل يُفطره الفجر، والضيق يعقبه فرج،
وما ضاقت إلا لتتسع، وما تأخر الخير إلا ليمتحن الصابرين.
عيدكم مبارك،
يا من تصنعون من الألم صبراً، ومن الدمع صلابة،
يا من لم تفقدوا إنسانيتكم وسط الفقد والمحن،
يا من لم تفقدوا البسمة رغم القسوة.
فمن قلب كل سوداني لسوداني آخر:
“أضحى مبارك… توقّعوا خيرًا، فإن الله لا يضيعنا.