في بلادٍ محاطة بالمؤامرات، لم يعد تشكيل الحكومة مجرد استحقاق سياسي، بل مهمة إنقاذ وطن يتآكله الخطر من كل جانب. السودان اليوم ليس فقط في مواجهة أزمة سياسية، بل على مفترق طرق وجودي، حيث كل قرار حكومي يحمل ثقل مستقبل دولة تكاد تنهار، لو لاصمود ويقظة جيشها العظيم
بين الكفاءة والاستحقاق: معادلة محفوفة بالمخاطر
يرتفع سقف التحديات، ويزداد الجدل حول من يستحق أن يكون جزءًا من الحكومة الجديدة. هل نختار كفاءات قادرة على قيادة الدولة نحو الاستقرار؟ أم نراعي التمثيل الشامل لكل الفئات الجغرافية والسياسية لضمان سلام داخلي هش؟ الإجابة ليست سهلة، فالسودان اليوم لا يحتمل مزيدًا من التجارب الفاشلة أو الحسابات الضيقة.
الكفاءة لا بد أن تكون حجر الأساس في اختيار الوزراء، خصوصًا في حقائب الأمن والمالية والصحة والتعليم التي تمثل شريان الحياة لأي حكومة انتقالية. لكن التمثيل العادل، هو الضمان الوحيد لمنع انقسام الدولة إلى مناطق متصارعة ومهملة.
حقائب ملتهبة… ومهام لا تحتمل الخطأ
الوزراء القادمون يواجهون حقائب ثقيلة كأنها ألغام موقوتة:
وزارة الداخلية: إعادة بناء جهاز الشرطة وسط انتشار السلاح والميليشيات يتطلب شجاعة واستراتيجية واضحة.
وزارة الخارجية: استعادة ثقة العالم بشريك جاد، ودعم دبلوماسي قوي في مواجهة العزلة.
وزارة المالية: إنقاذ الاقتصاد المنهار، وإيجاد موارد مالية وسط أزمة عميقة.
الصحة والتعليم: مواجهة واقع مزرٍ من الخدمات، وسط تدفق اللاجئين والنازحين.
هذه الوزارات ليست مجرد مؤسسات، بل ساحات معارك تحتاج إلى قادة يعرفون أن الخطأ يعني مزيدًا من الخراب.
تمثيل جغرافي وسياسي لا مفر منه
في ظل هذا الواقع، لا يمكن للحكومة الجديدة أن تغفل التوزيع العادل للوزارات بين مناطق السودان المختلفة: الشرق، دارفور، كردفان، النيل الأزرق، النيل الأبيض والشمال. كما لا يمكن تجاهل الحركات المسلحة التي تمثل صوتًا هامًا في المشهد السياسي، إذ يجب دمجها في الحكومة بشروط واضحة للسلام.
استبعاد أي طرف مهم أو تمثيل ناقص يعني ضرب فرصة السلام في مقتل، ويزيد من احتمال استمرار الصراع.
في الميزان: من سيحمل عبء المرحلة؟
العبء ليس فقط مسؤولية تشكيل الحكومة، بل مسؤولية استعادة ثقة شعب فقد الأمل. الشعب السوداني لا ينتظر وجوهًا جديدة فقط، بل انتظار لرسالة واضحة بأن هناك من يستحق أن يُمنح الفرصة لإنقاذ الوطن.
الوزير القادم ليس موظفًا عاديًا، بل محاربًا مدنيًا في معركة وطنية معقدة، يحتاج إلى الشجاعة والالتزام والإرادة الحديدية.
لحظة الحقيقة:
هذه الحكومة ليست مجرد انتقالية، بل فرصة قد تكون الأخيرة للسودان. هل ستنقذ الوطن من الفوضى؟ أم ستُكرر أخطاء الماضي؟ السؤال الأهم لكل وزير قادم: هل أنت مستعد لتحمل مسؤولية تاريخية، أم ستكون مجرد واجهة مزيفة لسياسات فاشلة؟
الشعب السوداني الذي يتألم ويتطلع إلى نور نهاية النفق لا يريد حكومة تَرْضِيه، بل يريد حكومة كفاءة، عدالة، وكرامة.
ومن لا يفهم هذا الواقع، لا يستحق أن يكون في المشهد، ولا على رأس وزارة، ولا حتى في الصفوف الخلفية.