في ظل المرحلة الحرجة التي يمر بها السودان، يتعين علينا تقديم لمحة قصيرة عن الديمقراطية. أبدأ بالترحم على أرواح الشهداء وتمنياتي بعودة المفقودين وتحية طيبة للجميع، وأخص بالتحايا الطيبة للثوار ثورة ديسمبر المجيدة.
نأمل مساهمة الجميع في هذا الشأن، مع الإعتراف بمجهود الإعلاميين، التنظيمات السياسية، منظمات المجتمع المدني، لجان المقاومة الشعبية، المفكرين، والمثقفين، على أمل أن يتعافى الوطن ونخرج من النفق المظلم ونستفيد من تجربة رواندا وغيرها من الدول الأخرى التي طوت صفحات الحروب والدمار وفتحت صفحات البناء والتنمية.
الديمقراطية نظام سياسي تعتمد على الحكم الشعبي، حيث يتم إنتخاب الممثلين من قبل الشعب لإتخاذ القرارات السياسية؛ أي حكم الشعب لنفسه. تتباين المفاهيم والتعريفات لكن تتفق جميعها على أنها شكل من أشكال الحكم السياسي القائم على التدوال السلمي للسلطة. في الوقت الحالي، السودانيون يحتاجون إلى الأمن والاستقرار والسلام، حيث هناك فئة تربط هذه القضية باستمرار الحرب والانتصار العسكري، هذا يعني :(تعدد مكونات المنظومة العسكرية والأمنية، تدمير البنية التحتية، تدمير ممتلكات المدنيين، عسكرة المجتمع المدني، انتشار المليشيات الدينية والإثنية، وقتل، وتشريد ونزوح، وإعتقال تعسفي،…..إلى آخره )؛ ويدفع المواطن ثمنا باهظاً جراء استمرارها.
يقول ميكيافيلي:(كل مدينة يجب أن توفر طريقا ووسائل لتلبية طموحات الشعب ). ينبغي مراعاة حجم المعاناة الإنسانية وحق المواطن في العيش في وطن ديمقراطي آمن تسود فيه كل القيم الإنسانية والإجتماعية والسياسية والثقافية.
السودان ظل في دوامة حرب مستمرة في الجنوب منذ استقلال السودان إنتهت بإقامة دولتين في العام 2011م. كما شهد حرب دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأخيراً حرب 15 أبريل الجاري; هذا كله يثير السؤال: إلى متى يظل السودانيون في دوامة العنف والتدمير؟ إلى متى يظل خطاب الكراهية والحرب، والإنقلابات العسكرية سيد الموقف؟
في تقديري العملية الإنتخابية الإجرائية لا تؤدي إلى حل النزاع السياسي والعسكري من غير مناقشة مسببات الحرب والسعي لإيقافها وتجنب مخاطر التفكيك والإنهيار، من الضروري الإعتراف بالظلم الواقع علي بعض المجموعات الإثنية والثقافية والوصول إلى مشروع وطني يضمن المساواة السياسية والإجتماعية، يجب بناء جيش قومي ومهني يقوم بواجبه في حماية الدستور وبناء سودان ديمقراطي يسعنا جميعاً بمختلف أشكالنا السياسية والإجتماعية والثقافية والدينية وبناء دولة سيادة حكم القانون والمواطنة المتساوية على أساس الحقوق والواجبات، دولة البناء والتنمية المتوازنة المتكاملة تعزز روح التعايش السلمي وتحترم حقوق الإنسان.
هل من الممكن الوصول إلى ديمقراطية وإنتخابات رئاسية وتشريعية بدون فترة إنتقالية؟ وكيف نصل إلى فترة إنتقالية في ظل التعقيدات الحالية والشرخ المجتمعي والسياسي؟
في ظل هذا التدهور، كيف نصل إلى مرحلة إنتقالية معافى من الأخطاء الماضية؟ في تقديري الحكمة تقتضي الوصول إلى فترة إنتقالية تراعي المصلحة الوطنية، تعزيز الوعي السياسي بين المواطنين، إنشاء نظام دستوري يضمن حقوق المواطنين في تكافؤ الفرص في التعليم والعمل، المشاركة الشعبية لضمان فهم الحقوق والواجبات، شفافية وصول المواطنين إلى المعلومات، القضاء على الفساد، وأهمية استقلال الجهاز القضائي والحفاظ على العدالة.
الضرورة الإنسانية والأخلاقية توجب وقف فوري للإطلاق النار، واستئناف التفاوض، وتوصيل المساعدات الإنسانية، وتعزيز الحريات العامة، والحرية الإعلامية، حتى تستطيع أجهزة الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني، والتنظيمات السياسية التي تؤمن بالديمقراطية كمفهوم وممارسة من رفع الوعي السياسي والمجتمعي بأهمية ممارسة الديمقراطية وتعزيز ثقافة الحوار الوطني وقيم التسامح وقبول الآخر، ورفع الوعي العام بطريقة الوصول إلى السلطة تكون عبر صناديق الإقتراع والوصول إلى إنتخابات حرة ونزيهة تضمن تمثيل المواطنين في الحكومة ، تكون العملية الإنتخابية هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة، وتقديم تجربة ديمقراطية تلهم العالم بقدرتنا على تجاوز التحديات ونودع فيها إلى الأبد أصوات البنادق والإنقلابات العسكرية.