بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾
أنا ابنة هذا الوطن، وأحمل داخل قلبي همّ كل من فرّ من نار الحرب في دارفور ووصل إلى الولاية الشمالية، إلى مناطقنا التي تمتد بين نهر النيل من الجنوب، وصحراء الشمال، وقرى تمتد بين العلاقي والفشقة ومدينة الدبة، حيث المعسكرات تستقبل الآلاف من الفارين من الموت والدمار.
في معسكر العفاض، شاهدنا عيونًا شاحبة، أطفالًا فقدوا أسرهم، نساءً شابت وجوههنّ بالحزن، وشيوخًا أنهكتهم رحلة الفرار الطويلة.
كل هذا الألم صنعته المليشيات الإرهابية وراعيها دويلة الشر، التي لم تكتفِ بقتل الأبرياء في الميدان، بل حاولت أيضًا زرع الفوضى، والخوف، والكراهية بين الناجين والمجتمع المحلي، مع تهديدٍ ووعيدٍ وحرقٍ لجثامين من استشهدوا.
- التكافل والمحبة — ما رأيته في أرضنا
رغم كل هذا، أنا فخورة بما رأيته: أهل الوطن الحقيقيون في الولاية الشمالية، في القرى والمدن المحيطة بمعسكر العفاض، أظهروا أسمى صور الكرم والتضامن.
فتحوا بيوتهم وقلوبهم لمن نجا من بطش مليشيات الارتزاق، وقدّموا لهم الطعام، والماء، والمأوى، والدفء الإنساني.
الأطفال، الشيوخ، والنساء جميعهم وجدوا العون، حتى شعرتُ أن الولاية الشمالية تمثل قلب الإنسانية في السودان.
هذه اللوحة الحية من الوحدة، التكافل، والتعايش السلمي يجب أن نحميها جميعًا من أي محاولة لتفكيك المجتمع أو زرع الفتنة.
- سكان دارفور الأصليين — جذور الحماية والإرث الإنساني
سكان دارفور الأصليين، الذين شكّلوا عبر التاريخ سور حماية منيعًا ضد كل غازٍ وغريب، لم يتخلّوا يومًا عن قيمهم الراسخة في العطاء والشهامة.
كانت الفاشر رقعةً جغرافيةً قويةً في الماضي، منعت الهجرة غير الشرعية وحافظت على أمن حدودها.
لكن اليوم تغيّر المشهد، فالحرب لم تعد محلية فقط، بل أصبحت تحمل وجوهًا أجنبية، وجنسياتٍ من دول الجوار، مما زاد التحديات الأمنية والإنسانية.
وفي ظلِّ الحربِ الحاليةِ التي تجاوزت حدودَ دارفور، وشاركَ فيها أناسٌ من دولِ الجوارِ لقتلِنا، يزدادُ دورُ أبناءِ دارفور في حمايةِ مجتمعِهم وضمانِ سلامةِ الجميع،
ولا سيّما في معسكرِ العفاض. فهذهِ المسؤوليةُ تتطلّبُ يقظةً مستمرةً وتنظيمًا دقيقًا لتوفيرِ الأمنِ والحمايةِ لكلِّ من نجا من بطشِ مليشياتِ الارتزاق.
- المخاطر والتهديدات — الفتنة ليست بعيدة
رغم هذا التكافل الجميل، هناك مخاطر حقيقية تهدد أمننا واستقرارنا:
استغلال الأزمة من قبل عناصر سياسية، إعلامية، وأجنبية تحاول التأثير على الرأي العام، وزرع الفوضى والفتنة بين الناس.
وهذا ليس ببعيد، فالحروب تتخذ اليوم أشكالًا متعددة غير الميدان العسكري:
سياسية: محاولات تقسيم المجتمع، وإضعاف الروابط الوطنية.
اقتصادية: تعطيل المشاريع الأساسية، والتحكم في الموارد، وخلق صعوبات معيشية.
بنية تحتية: تعطيل المياه والكهرباء والطرق والخدمات الحيوية.
إعلامية: نشر الشائعات والأكاذيب لتقويض الثقة.
فتنة عنصرية: محاولة استغلال أزمات النزوح للتحريض على الكراهية بين المجموعات.
كل هذه المخاطر تهدد الوحدة الوطنية، والتكافل الاجتماعي، والكرم الذي يميز شعبنا، ويجب مواجهتها بحكمة ووعي جماعي.
- دور السلطات الرسمية — مسؤولية واضحة وفورية
أ. والي الولاية الشمالية:
متابعة الوضع الأمني والميداني في المعسكرات ومحيطها.
تنظيم استقبال من نجا من الحرب، وتسجيلهم، وفحص حالتهم الصحية والنفسية.
التنسيق مع المجتمع المدني لضمان سلامة الأيتام والنساء والشيوخ.
مراقبة أي محاولة لاستغلال الأزمة أو زرع الفتنة.
ب. حاكم إقليم دارفور:
قيادة اللجنة التنسيقية بين الولايات والمجتمع المدني والمنظمات الإنسانية.
دعم الموارد اللازمة لضمان استقرار المعسكرات وتوفير الحماية للناجين.
التواصل مع الجهات الأمنية الدولية والمحلية لمواجهة أي تدخل خارجي يهدد الأمن.
دور هاتين الجهتين هو حماية الوطن والمواطن، وضمان أن تبقى الإنسانية والكرم سائدين في أرضنا.
- الحلول العملية — دعوة للوعي والعمل
أ. للمجتمع المحلي:
دعم كل من نجا من الحرب بكرامة، وعدم الانجرار وراء الشائعات أو الأحكام المسبقة.
التعاون مع اللجان المجتمعية والمنظمات الإنسانية لمراقبة الوضع بدقة.
الإبلاغ عن أي عناصر تحاول زرع الفتنة أو الاستغلال عبر قنوات آمنة وسرية.
تعزيز قيم التضامن، والتكافل، والكرم، حتى يبقى المجتمع سليمًا وآمنًا لكل من يعيش فيه.
ب. للسلطات الرسمية (والي الولاية وحاكم الإقليم):
- تشكيل لجنة تنسيق أمنية وإنسانية مشتركة تضم السلطات المحلية، الأمن، الهلال الأحمر، المنظمات الإنسانية، وممثلي المجتمع المدني.
- استقبال منظم للناجين: تسجيل شامل، فحص صحي وسلوكي، ومنح بطاقات مؤقتة لتنظيم الخدمات.
- إنشاء مراكز حماية وتأهيل: برامج دعم نفسي واجتماعي للأيتام، والنساء، والأطفال المتأثرين بالحرب.
- إطلاق حملات إعلامية توعوية: رسائل واضحة حول حماية الناجين والتعايش السلمي، والوقاية من استغلال الأزمة.
- وضع آليات مراقبة وتبليغ سرية وفعّالة لضمان حماية المجتمع، ومعالجة أي تهديد دون المساس بحقوق أحد. واجبنا جميعًا حماية أهلنا الذين نجوا من الحرب، والحفاظ على لوحة الكرم والتعايش الجميلة، والوقوف أمام أي محاولة لتفكيك مجتمعنا أو زرع الفتنة.
وفي ختام هذه الرسالة، أؤكد أن الوحدة هي درعنا الحصين، وأن كل من حاول زرع الفتنة بين أبناء وطننا لن يجد لنا طريقًا.
لن نسمح لأعمال الشر أن تمحو لوحة التكافل والمحبة التي نبنيها جميعًا.
نترحم على شهدائنا الأبطال الذين ضحوا بحياتهم لحماية الأرض والناس، وندعو لكل جريح بالشفاء العاجل، وأن يُعوض الله صبرهم خيرًا وعزمًا لا ينكسر.
لِلْوفاءِ والكَرَمِ
يا أهلَ الكرمِ والجودِ في أرضِنا، بكمُ الأمانُ موجود،
أيديكم للغريبِ والجارِ ممدودة، وفيكمُ الكرمُ والجود،
من رحمِ العطاءِ كلُّ القلوبِ في محبّةٍ ووعود.
سلامٌ وأمانٌ فالعَدلُ ميزان.
✒️ توقيع لا يُنسى
أنا الرسالةُ حينَ يضيعُ البريد…
أنا الحبرُ الذي ينزفُ الحقيقة،
أنا صوتٌ من الأرضِ والسماء،
امرأةٌ من حبرِ النار
✍️ عبير نبيل محمد
