الخميس, نوفمبر 13, 2025
الرئيسيةمقالاتزاوية خاصة ...

زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة العمى الاختياري.. أمريكا ترى جرائم المليشيا وتغضّ الطرف إرضاءً لحلفائها

يُحكى أن شيخًا في إحدى القرى السودانية دخل السوق ، فوجد لصاً يسرق حمار جاره على مرأى من الجميع ، فصاح فيه الناس يا الشيخ ، الحرامي سرق الحمار ، فردّ مبتسماً وهو يطالع المشهد كمن يشاهد مسرحية ، خلّوه يمكن بيجرب السرج ،
وسرق اللص الحمار ، ومضى الشيخ في طريقه ، لكنه ظل يرقص طربا كلما مرّ ببيت جاره قائلاً ، والله حرامي عملها فيك.

تلك الحكاية تلخّص الموقف الأمريكي من المليشيا ، التي أشعلت نار الحرب في السودان ، فواشنطن رغم كل ما رأته ، ورغم ما وثّقته عدسات العالم ، ما زالت تتعامل مع المأساة كمن يرى ولا يرى ، ويتحدث عن الفظائع وكأنها جريمة حدثت بالأمس ، بينما دماء الأبرياء لم تجف منذ الرصاصة الأولى.

تصريحات وزير الخارجية الأمريكي “روبيو” حول المجازر التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع ، جاءت وكأنها اكتشاف متأخر لحقيقة يعرفها الجميع ، فالمليشيا منذ أن أطلقت أول رصاصاتها ، وجّهت سلاحها إلى صدور المدنيين ، واحتلت منازلهم ومرافقهم ، وحوّلت المدارس والمستشفيات إلى ثكنات عسكرية ، وطردت الأسر من بيوتها تحت تهديد السلاح ، موثقة كل ذلك بعدسات هواتف مقاتليها الذين تباهوا بجرائمهم على الملأ.

الفاشر اليوم تتصدر الأخبار ، لكنها ليست المحطة الأولى ، ولن تكون الأخيرة في قطار الجرائم الذي مرّ ، عبر الخرطوم ونيالا والجنينة والجزيرة وزالنجي وبارا ، حيث خلّفت المليشيا وراءها أطلال مدن ، وجثامين بريئة وذاكرة سوداء لا تمحى.

ما يثير السخرية أن الولايات المتحدة ، التي تملك كل أدوات المراقبة والأقمار الصناعية وأجهزة الاستخبارات ، تتحدث اليوم بقلق عن ضرورة وقف تسليح المليشيا ، وكأنها لم تكن تعلم من أين تأتي الطائرات المسيّرة ومن ياتي بالمرتزقة الاجانب ، فالجميع يعلم ، وواشنطن قبل غيرها تعلم ، أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الداعم الأول لتلك المليشيا ، تمدها بالمال والسلاح وتفتح لها ممرات لوجستية عبر جيران السودان ، في أكبر عملية انتهاك سافر لسيادة دولة واستقرار شعبها.

واشنطن التي ترفع شعار حقوق الإنسان ، تغض الطرف عن الحقيقة حين يكون الجاني حليفاً استراتيجياً ، أو شريكاً اقتصادياً ، فالصمت الأمريكي أمام جرائم المليشيا ليس جهلاً ، بل عمى اختياري فرضته المصالح.

إن من يتابع الموقف الأمريكي لا يحتاج إلى كثير تحليل ليدرك أن بيانات التنديد المتأخرة ، ليست سوى تكسبٍ إعلاميٍ لا أكثر ، فلو كانت واشنطن صادقة في دعوتها لوقف تسليح المليشيا ، لوجّهت خطابها مباشرة إلى أبوظبي ، ولجمعت أدلتها وواجهت بها ابوظبي ، وقدّمتها إلى مجلس الأمن ، لكنها اكتفت بالكلمات الرنانة لتظهر في صورة الوسيط العادل ، بينما تترك الميدان غارقاً في الدم.

لن ينسى السودانيون مجازر المليشيا في الجنينة، حين سُحبت الجثث من الشوارع كأنها ظلال النهار ، ولا مشاهد القتل الجماعي في الخرطوم التي تحولت إلى مسرح للموت، ولا النساء والأطفال الذين أُحرقوا في قراهم في الجزيرة ، ولا مشاهد ذبح البشر في الفاشر وكأنهم قطيع أغنام ، كل تلك الفظائع موثقة ، شاهدة على أن الحرب التي شُنت على السودان لم تكن عشوائية ، بل كانت حرب إبادة برعاية صامتة من قوى كبرى.

قد تنجح الدبلوماسية الأمريكية في تجميل صورتها مؤقتاً ، لكنها لن تستطيع أن تمحو من الذاكرة صورة الدم الذي سال في الفاشر ، والخرطوم والجنينة وبارا والجزيرة وسنار. فالصمت على الجريمة جريمة ، ومن يرى الظلم ولا يرفع صوته ، يصبح شريكاً فيه ، مهما كان موقعه أو علمه أو نفوذه…لنا عودة.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات