منذ اندلاع الحرب السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع، لم تغب العاصمة الأمريكية واشنطن عن المشهد، سياسيًا أو استخباراتيًا أو عبر التصريحات المتكررة. لكن السؤال الجوهري الذي يطرحه السودانيون: لماذا تتدخل واشنطن في الشأن السوداني؟ وهل حقًا تسعى لحل الأزمة، أم لإعادة ترتيب الأدوار في منطقة استراتيجية؟
السودان في عين المصالح الأمريكية
رغم أن السودان لا يُعتبر ضمن قائمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية مقارنةً بأوكرانيا أو تايوان، إلا أن له أهمية جيوسياسية لا يمكن تجاهلها، منها:
موقعه المحوري بين القرن الأفريقي، والبحر الأحمر، وشمال أفريقيا.
موارده الطبيعية الهائلة من ذهب، ونفط، وأراضٍ زراعية.
حدوده مع دول محورية مثل مصر، إثيوبيا، جنوب السودان، وتشاد.
صراعه الداخلي المعقد، الذي يجعل منه ساحة تنافس مفتوحة للقوى الدولية.
واشنطن: فاعل محايد أم طرف خفي؟
من خلال مبادرة جدة، ومواقف وزارة الخارجية الأمريكية، ومبعوثيها المتعددين، حاولت واشنطن لعب دور الوسيط، لكنها في الواقع:
تغض الطرف عن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع، رغم التقارير التي تؤكد تدفق السلاح والمال من أبوظبي عبر الأراضي التشادية.
تمارس ضغوطًا ناعمة على الجيش السوداني، وتدعو إلى “وقف إطلاق النار” بينما تساوي بين الدولة ومليشيا متمردة.
تتبنّى خطابًا “حقوقيًا” يستخدم كأداة ضغط سياسي، أكثر من كونه إنسانيًا صادقًا.
لماذا تتدخل أمريكا؟
- التحكم في ممر البحر الأحمر: أمريكا تخشى أن تقع الموانئ السودانية تحت نفوذ روسيا أو الصين، خاصة بعد محاولات موسكو إنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان.
- تقييد النفوذ الروسي في أفريقيا: خصوصًا مع تمدد فاغنر في ليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى، والسودان ليس بعيدًا عن هذا المحور.
- إعادة صياغة النظام الإقليمي: عبر دعم قوى مدنية معينة، وتهميش أخرى، بما يضمن تشكيل حكومة “مدجنة” ترعى المصالح الغربية.
- الذهب السوداني: أحد الملفات الحساسة، والذي يُهرّب بكميات ضخمة دون رقابة، وسط معلومات بأن شبكات دولية متورطة فيه، ما يستدعي تدخلًا أمريكيًا لـ”تنظيم السوق”.
متى يكون التدخل مرفوضًا؟
ليس كل تدخل دولي مرفوضًا مبدئيًا، إذا كان عبر القانون الدولي، ووفقًا لميثاق الأمم المتحدة. لكن التدخل الأمريكي في السودان يفتقر إلى:
الحياد، فهو يُظهر دعمًا ضمنيًا لقوى معينة دون غيرها.
الشفافية، فالتصريحات السياسية لا تتطابق مع ما يحدث على الأرض.
الاستمرارية الأخلاقية، إذ تتعامل أمريكا مع السودان كملف أمني، لا كقضية إنسانية.
آخر الكلام : السودان بين المطرقة والسندان
يبقى السودان ضحية لتوازنات إقليمية ودولية معقدة، وتدخل واشنطن ليس بدافع “الحرص على الديمقراطية”، بل هو امتداد لصراع النفوذ الدولي على الأرض السودانية. المطلوب الآن هو:
إرادة سياسية وطنية مستقلة، لا تخضع للابتزاز الدولي.
رؤية موحدة للقوى الوطنية ترفض الاستقطاب الخارجي.
دعم شعبي ضاغط يرفض التبعية ويؤمن بأن السودان لا يُدار من الخارج.