حملت الوسائط يوم أمس أن الجيش السوداني أنتج مسيرة محلية اطلق عليها السفروق ولهذا الاسم دلالة ورمزية .. ولكن في خضمّ حرب طاحنة لم تبقِ ولم تذر، وفي لحظة تاريخية من عمر السودان يقف فيها الوطن بين سندان التآمر الدولي ومطرقة الخيانة الداخلية، يعلن السودان عن تصنيع طائرة مسيّرة محلية الصنع أُطلق عليها اسم “السفروق” — وهو اسم سوداني عميق الدلالة، يشير إلى العصا المعوجة التي تُستخدم في الصيد، وتتميّز بالخفة والدقة وسرعة الانقضاض على الفريسة. في معناه الشعبي، “السفروق” ما كان مجرد أداة فحسب ، بل رمزاً لصيّاد بارع لا يُخطئ هدفه ووسيلة كسب وتكسب واعتماد على الذات ، اختيار الاسم لم يكن عفوياً، فالدلالة الرمزية حاضرة إذ تتماشى تماماً مع الوظيفة التقنية للطائرة المسيّرة سلاح ذكي، سريع، دقيق، وفعّال. لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: هل كان توقيت الإعلان عن هذا الإنجاز مناسبًا؟
لا جدال في أن إعلان أي دولة، خاصة في زمن الحرب، عن تصنيع سلاح جديد، هو إعلان مزدوج إعلان قدرة وإرادة. قدرة على الإنتاج المحلي في ظل الحصار والعقوبات والخذلان الدولي، وإرادة على الاعتماد على الذات، والسير في طريق “التصنيع المقاوم” رغم الجراح. ومن هذا المنظور، فإن إعلان “السفروق” يُعد صفعة رمزية في وجه كل من راهن على انهيار السودان أو تبعيّته.
لكن، في المقابل، ومن منطلق الواقعية السياسية والعسكرية، فإن توقيت هذا الإعلان يثير القلق، خصوصًا في ظل غليان المشهد الإقليمي، وانعقاد اللقاءات السرية والعلنية، وعودة الحديث عن الرباعية الدولية وتدخلات القوى الكبرى. العدو لم ينكسر بعد، والقلوب لم تطمئن، والرهانات لم تُحسم.
في أزمنة كهذه، الحكمة تقتضي أن يظل السلاح في الظل حتى يحين أوان ظهوره بل الإعلان المبكر عن القدرات الدفاعية قد يفتح شهية العدو المتربص، ويمنحه معلومات مجانية، ويستجلب المزيد من المؤامرات والعقوبات، خصوصًا وأن السودان يقاتل في ساحة معركة لم تعد فيها الطلقات فقط هي الفاعلة، بل المعلومات أكثر فاعلية أيضاً.
صحيح أن في الإعلان عن “السفروق” رسالة ردع نفسية وإظهار للقوة ، تقول لكل عدو وعميل وخائن “نحن هنا.. لم نُهزم.. نُصنّع، ونُخطّط، ونُقاتل”. لكن الصحيح أيضًا أن الحرب لم تضع أوزارها بعد وأن الأعداء لا يزالون على الأبواب يتربصون، وأن كل معلومة قد تُوظف ضدنا في معركة الوجود.
فالمنظومة الدفاعية السودانية خطت خطوة جريئة، تُحسب لها من حيث العزم والتخطيط والبناء رغم الحصار والحرب، لكن يُنتظر منها أيضًا أن تُحسن التوقيت، وتُراعي فنون إدارة المعركة الإعلامية والعسكرية معًا. فالسلاح الحقيقي ليس فقط ما يُنتج، بل ما يُدار بحكمة.
وفي الخلاصة، يبقى “السفروق” إنجازًا تقنيًا وعقليًا يُضاف إلى رصيد السودان المقاوم، لكن صوته كان سيكون أقوى، وربما أفعل إذا خرج من الظل في ساعة الحسم.. لا قبلها. فالتحية لجيشنا الباسل وأسأل الله أن يتم نصره علينا ..ويعيد الأمن والأمان إلى وطننا ..إنه سميع قريب مجيب..