الأحد, يوليو 27, 2025
الرئيسيةمقالاتعندما يغتال الذوق العام باسم الفن .. ...

عندما يغتال الذوق العام باسم الفن .. بقلم د.إسماعيل الحكيم


بعيداً عن جدلية الحلال والحرام فما زالت الأسافير تضج وتعج بأشكال وأنواع من الغناء الهابط في وقت تتعرض فيه بلادنا لأقسى الظروف، وتخوض حرب الكرامة دفاعًا عن الأرض والعِرض والهوية، تغيب مؤسسات يفترض أن تكون حارسة للذوق العام مدافعة عن الثوابت حارسة لها ، وضامنة للقيم، وعلى رأسها اتحاد الفنانين السودانيين، الذي غاب عن المشهد كليًّا، وترك الساحة الفنية نهبًا للفوضى والانحدار والانحطاط الأخلاقي والثقافي والقيمي .
لقد أصبحت الساحة الفنية تعج بالغثّ من الإنتاج الفني الرخيص، وتفيض بما لا يمت للفن ولا للإبداع بصلة. فالمسارح تُفتح على مصراعيها أمام أصوات نشاز، ووجوه دخيلة، وأجساد تتراقص على أنقاض قيّمنا، تحت مسمى “الفن”، بينما الفن الحقيقي كان ولا يزال رسالة سامية، تعبر عن وجدان الشعوب، وتنهض بها لا أن تهوِي بها إلى القاع.
اليوم يتصدر المشهد من لا علاقة لهم بالفن ولا يعرفون شيئاً عن رسائله . نرى التميّع والخنوع، ونسمع الفحش في الألفاظ، والسوقية في الكلمات، والابتذال في الأداء. نصوص غنائية تفتقد الحد الأدنى من الذوق والسلامة ، تتسلل إلى آذان الناس بلا رقيب أو حسيب، ويُروّج لها عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل، دون أي تدخل من جهة مسؤولة تضبط هذا العبث، او توقف هذه الأذى أو تحاسب من يجيز مثل هذا “الكلام الذي يُزكم الأنوف”.
فأين اتحاد الفنانين؟ أين رقابته؟ أين تقييمه للمغنين والمغنيات؟ وأين المصنفات الأدبية ؟ وأين وزارة الثقافة -؟ بل من يملك صلاحية إجازة نصوص أقل ما توصف به أنها إهانة للذوق العام، وعدوان على الوعي الجمعي لأمةٍ كان فنّها لسنوات طويلة مرآةً لسموّها الأخلاقي والإنساني؟
وما يدعو للأسى أكثر، أن بعض من يدعون الإنتماء إلى الوسط الفني، والذين لم يجدوا ضابطًا أو رادعًا في الداخل، اتجهوا إلى الخارج، يقيمون حفلات في بعض العواصم – كالقاهرة وغيرها – لا تمت بصلة لقيم الشعب السوداني. حفلات يُعرض فيها الجسد، ويُستباح فيها الحياء وتذبح فيها العفة وتتحول فيها “الفنانة” إلى أداة ترفيه رخيص، ترقص وسط الرجال عارضة كل مفاتنها ، بلباس فاضح، وأداء ماجن منزوعة الحياء في مشاهد تصدم كل من يعرف قدر السودان وأهله.
هنا تبرز علامات استفهام كبرى :-
أين دور السفارات والملحقيات الثقافية؟
أليس من مسؤولياتها حماية صورة السودان في الخارج؟ أليس من واجبها التدخل لوقف ما يُسيء لقيم مجتمعنا وتراثنا وموروثنا الثقافي؟
لقد كان السودانيون على الدوام وما يزالون، سفراء للخلق والأدب، يعرفهم العالم برجالهم ونسائهم الأتقياء، المحتشمين، المبدعين، الذين يحملون رسائل الحب والسلام والقيم الراقية، لا تلك المشاهد الصاخبة والمبتذلة.
إننا اليوم لا يمكننا السكوت فالساحة الفنية تُختطف، والذوق يُذبح، والفن يُغتال على متسللين على المجال حتى أصبح الغناء مهنة من لا مهنة له ، ولا بد من وقفة جادة ومسؤولة ..

  • من اتحاد الفنانين إن كان باقياً على قيد المسؤولية.
  • ومن الجهات الرسمية التي يجب أن تضع حدًا لهذا الانفلات ، المصنفات الأدبية _ الملكية الفكرية _ وزارة الثقافة _ الملحقيات الثقافية في السفارات .
  • ومن المثقفين والإعلاميين والدعاة وكل المصلحين ، وكل من يهمه أمر السودان وقيمه.
    فليس من المقبول أن يُترَك الفن ليُستباح بهذه الصورة، خصوصًا في زمن الكرامة، حيث يجب أن تسمو الأصوات لا أن تهوِي، أن تضيء الكلمات لا أن تظلم، وأن يكون الفن قوة ناعمة تخدم الوطن، لا مطية لتشويهه.
مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات