الأحد, يوليو 27, 2025
الرئيسيةمقالاتالخرطوم بعد التحرير… معركة الأمن تبدأ من الداخل بقلم: عبدالقادر...

الخرطوم بعد التحرير… معركة الأمن تبدأ من الداخل بقلم: عبدالقادر عمر محمد عبدالرحمن

عادت الخرطوم، عاصمة السودان ورمز سيادته، إلى حضن الوطن بعد أن أُخرجت المليشيا المتمردة منها، وقد نفضت عن شوارعها وعروقها ركام التمرد والخيانة. ولكن المعركة الكبرى لم تبدأ بعد.

فالخرطوم، التي صمدت ثم نزفت ثم نهضت، تحتاج الآن إلى حراسة جديدة من نوع مختلف:
حراسة العقول، وحراسة الضمائر، وحراسة القانون.

إن تأمين العاصمة السودانية لا يعني فقط منع دخول العدو إليها مجددًا، بل يعني منع الفوضى، كسر الجريمة، وتثبيت هيبة الدولة، وهي مهمة جماعية تُناط بثلاثة أطراف رئيسية: وزارة الداخلية، الأجهزة النظامية، والمجتمع نفسه.


أولًا: وزارة الداخلية… حجر الأساس

إذا كانت القوات المسلحة قد أدت دورها في التحرير، فإن وزارة الداخلية هي المعنية اليوم بحماية ما تم تحريره. وهذا يتطلب:

  1. إعادة انتشار الشرطة بفعالية

لا بد من تفعيل الوجود الشرطي الفعّال والمستمر، في كل الأحياء والأسواق والشوارع العامة. ليس بشكل رمزي، بل بقدرة حقيقية على التدخل، الردع، وضبط الجريمة.

  1. تأسيس شرطة مجتمعية قوية

العلاقة بين المواطن والشرطي يجب أن تكون شراكة، لا خصومة. وهذا يستدعي تدريب عناصر الشرطة على مهارات التواصل، وضبط النفس، وحقوق الإنسان، وجعلها قريبة من الناس لا خصمًا لهم.

  1. وحدة استخبارات أمنية مدنية

لا يمكن كشف الجريمة المنظمة، ولا شبكات التهريب والمخدرات، دون استخبارات مدنية فعالة داخل الخرطوم. يجب تطوير وحدات خاصة تعتمد على التكنولوجيا، والتعاون الشعبي، والعمل الاستباقي.


ثانيًا: الأجهزة الأمنية… الحضور الصامت الحاسم

الأجهزة النظامية الأمنية من استخبارات وقوات دعم مهام خاصة، يجب أن تتحرك في الخلفية، لحماية الخرطوم من:

الخلايا النائمة للمليشيا.

النشاطات التخريبية المدفوعة من الخارج.

محاولات إرباك المشهد الأمني والسياسي عبر الجريمة المنظمة.

كما يجب أن تعمل بتنسيق تام مع وزارة الداخلية، في غرف عمليات موحدة، تعتمد على المعلومة الدقيقة، والتحرك المدروس، دون انتهاك لحقوق المواطن.


ثالثًا: المجتمع… شريك لا متفرج

هنا تقع مسؤولية كبيرة على المواطن:

  • التبليغ لا التواطؤ

الصمت عن المجرم خيانة بعد الحرب. كل مواطن مسؤول عن أمن حيه وشارعه ومدرسته.

  • المراقبة المجتمعية

يجب تكوين لجان حي أمنية، تتعاون مع الشرطة، وتمنع أي نشاط مشبوه أو تفلت ظاهر.

  • نبذ الفوضى وتعظيم القانون

على المدارس، المساجد، والواجهات الاجتماعية نشر ثقافة احترام النظام، والامتثال للضوابط، ورفض التساهل مع الممارسات الشاذة.


مرتكزات تأمين العاصمة:

  1. حصر السلاح: تجريد المدنيين من أي سلاح غير مرخص.
  2. ضبط الهوية: تشديد إجراءات الهوية داخل العاصمة.
  3. تفكيك البؤر الإجرامية: الأسواق العشوائية، بؤر المخدرات، والمناطق المهملة أمنيًا.
  4. الرقابة الإلكترونية: تفعيل كاميرات المراقبة، وتطبيقات التبليغ الفوري.
  5. دور الإعلام: في توعية الجمهور ودعم الثقة بالمؤسسات الأمنية.

خاتمة: الخرطوم.. أمانها مسؤوليتنا جميعًا

إن معركة تأمين الخرطوم لا تقل شرفًا عن معركة تحريرها، ولن يكون النصر كاملاً ما لم يشعر المواطن فيها أنه آمن في ماله، ودمه، وبيته، ومستقبله.

على الشرطة أن تعود إلى شوارعنا كحامية لا كغائبة.
على وزارة الداخلية أن ترفع راية الانضباط لا العشوائية.
وعلينا كمواطنين أن نكون شركاء في هذه المعركة، لأنها ببساطة، معركتنا جميعًا.

فليكن شعارنا:
لن نحرر الخرطوم فقط… بل سنحميها وننهض بها.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات