في قلب المأساة تنبت الكرامة. وفي الفاشر، المدينة الجريحة الواقفة، لا تُقاس الحياة بعدد الناجين، بل بقوة الذين اختاروا البقاء رغم كل ما يدفعهم للرحيل. الفاشر ليست مجرد مدينة محاصرة، بل ضمير حيّ ينطق باسم السودان كله، ومرآةٌ تعكس معاناة أمة تتطلع إلى الخلاص عبر شجاعة ناسها.
مدينة تمشي على الجمر
في شوارعها المنهكة، حيث الغبار يعلو على الركام، تمشي الفاشر على الجمر حافية لكنها شامخة. البيوت المهدمة، والمآذن الصامتة، والأسواق التي أُغلقت عنوة، كلّها لا تروي قصة موت، بل قصة مدينة تقاوم أن تُنسى.
الفاشر، منذ كانت عاصمة لسلطنة دارفور، ليست غريبة على التاريخ ولا على المعارك. لكنها اليوم في معركة من نوعٍ آخر: معركة ضد الإبادة، ضد النسيان، ضد التجاهل. وهي تخوضها بلا دبابات ولا صواريخ، بل بسلاحٍ أقوى: إرادة الناس.
الناس هم الحكاية
في الفاشر، لا يصنع الأبطال من الضوء ولا من العناوين، بل من طين الأرض ومن صبر السنين. نساءٌ يداوين الجراح بالرحمة. شيوخٌ يحرسون الذاكرة بالأدعية والقصص. شبابٌ لا يحملون البنادق لكنهم يحرسون الكرامة. أطفالٌ لا يملكون حقائب مدرسية لكنهم يحفظون مع القران اسم مدينتهم عن ظهر قلب.
كل فرد في الفاشر حكاية، وكل حكاية شمعة في ليلٍ طويل. حين يُقال “كل القوة”، فذلك ليس شعارًا، بل حقيقة تتجلى في تفاصيل الحياة اليومية: في الخبز الذي يُقسم رغم ندرته، في الماء الذي يُوزع رغم قلّته، في السهر على الأمل حين يغفو العالم.
صوت من الداخل
“الفاشر جوة” لا تعني موقعًا في خارطة، بل موقعًا في الضمير. هي صوت الداخل الذي لا يسمعه الخارج إلا حين يصرخ. لكنها تصرخ بكرامة، بلا استجداء، وتقول: نحن هنا. لسنا هامشًا، ولسنا أرقامًا في بيانات النزوح. نحن الحكاية الأصل، ولسنا حاشية على متن أحد.
في صلب الوطن
صمود الفاشر ليس دفاعًا عن المدينة وحدها، بل دفاع عن معنى السودان. عن فكرة أن الكرامة لا تُقصف، وأن الناس حين يتكاتفون لا تسقط مدنهم، حتى إن انهارت جدرانها. هي درسٌ في الوطنية، وفي وحدة المصير، وفي أن من لم يعرف الفاشر لا يعرف حقيقة هذا الوطن الممتد من الألم إلى الأمل.
ولأننا نؤمن
فبإذن الله، ستتحرر كل القوات، الفاشر
وسيرتفع علمنا على كل شبرٍ من أرض هذا الوطن،
وسنكتب على جدران الفاشر:
أن العدل لا يموت،
وأن الشعوب لا تُهزم حين يكون الناس هم الحكاية.
كل القوة الفاشر جوة… وكل الوطن جوة قلوب ناسه