لم تكن الأحزاب السياسية السودانية بقدر التحدي الذي لازم معركة الوطنية،ولم تكن بقدر الطموح الذي إرتبط بذهن المواطن الذي أضحي ينظر لمتعلقات السياسة والحكم والإدارة بنظرة تختلف تماما شكلا وموضوعا عما كان عليه حال البلد،قبل نشوب حرب “أل دقلو” التخريبية،ذات الأجندة الخارجية الطامعة في السيطرة على الثروات الوطنية.
كانت الأحزاب السياسية ومازالت بعيدة بقدر -مابين السماء والأرض- عن تلمس المشاكل والهموم والتعقيدات والإحتياجات الحقيقية لمواطن إكتوي بنيران الممارسة السياسية الشائهة.
أحزاب سودانية كثيرة إرتمت في أحضان التقاطعات الإقليمية والدولية،بل وأصبحت الأداة الأكثر فعالية في الهدم والإضعاف والتفكيك لممسكات الدولة والوحدة،وأسهمت من جانب آخر في ضرب عري النسيج الإجتماعي القومي.
كانت وماتزال مايعرف بقوي “صمود” هى الكتلة الأكثر نهشا في جسد الوطن المنهك،بل والمقعد،وكانت وماتزال هي الكتلة الإثم الذي يجب إجتنابه،وكانت ماتزال هي الكتلة التى من علاماتها ومميزاتها البارزة أنهم الأخسرين أعمالا ،الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون!!وهي الكتلة الأسوأ في التأريخ الحديث،التي تناست عمدا أنهم الآن عند الشعب -بئس النصير وبئس العشير- وأنهم في الدرك الأسفل لبئر معطلة لا حد لإظلام قاعها.
في الجانب الآخر تبقي “الكتلة الديمقراطية” أحد أدوات الفشل المحسوس،إذ لم نسمع لهذا الفسطاط غير التلاقي البارد،والإجتماع الباحث عن الإستعراض،ومن ثم القفز بالزانة لكرسي السلطة من فوق (الدماء والأشلاء والدمار والخراب والتشريد والنهب والسرقة والإغتصاب)!. وقد أكد إئتمار فنادق بورتسودان الآخير أن مسعي هذه الكتلة ماهو الا مسعي بائر وكاسد،بل ومقزز،لأنه مسعي عبر عن حب السلطة والأنانية وحب الذات،وكان ذلك مسعي ضنكا،خاصة وأن والحرب لم تضع أوزارها بعد،وأن المواطن مازال يرزح تحت نيران التشرد واللجوء وفقدان المأوئ والوظيفة والدراسة،وغيرها من مواجع كان ينبغي على “تماهي بورتسودان” أن يضعها نصب الأعين،لكنه إختار الطريق الذي أبان أن “أردول وأديب” وباقي عقد “تلاقي بورتسودان”ماهم الأ “عناكب” فضلت أن تفرز سمها في جسد المواطن المنكوب من بني جلدته بحثا عن سلطة يراد لها أن تقوم فوق الجثث!.
أما قيادات التيار الإسلامي المتواجدة خارج البلاد،فقد خسرت الكثير من رونقها وسطوتها وشعبيتها،نتيجة تماهيها مع أحداث إضعاف الدولة،تحت حجج واهية وتبريرات ماعادت تقنع حتى من بعينه رمد.صحيح أن هناك قيادات إسلامية دعمت معركة الكرامة من خلف ستار،بل وساهمت وفقا لمحرك العلاقات الإقليمية والدولية في توفير دعم عسكري وسياسي وغيره وهذا أمر يحمد لهم،اذ ان التيار الاسلامي وعلى الرغم من أخطائه الجسيمة الا إنه يظل تيار وطنى داعم للجيش ومؤسسات الدولة،ويظل تيار لن يسهم -مهما ماحدث له من أذي-في ضرب السودان في مقتل،أو أن يتبني مؤامرات التفتيت الخارجية البغيضة كما تفعل الآن “صمود”الذين هم نسل ثمود وعاد!.
أحزاب “السيد والشيخ والأمام”،فهي قد عفا عليها الدهر وشرب،لاسيما وأن ممارسات منتسبيها كما “برمة ومريم والصديق والواثق” التى ساندت مليشيا “آل دقلو” الإرهابية في إتساع الهوة بينهم والشعب،وهي هوة لن يتم معالجتها على المدي البعيد،لأن ماإعتمل في النفس تجاه هذه الأحزاب نتيجة مواقفهم الصدئه ضد الجيش والشعب،لن يخرج حتى يلج الجمل في سم الخياط.فضلا عن ذلك أن السودان لم يعد هو تلك الضيعة التى يتحكم فيها حزبي “سيدي والإمام”!.
في ذات الإطار كان الموقف العام من الحرب لحركات “جبريل ومناوي” وغيرهم ضبابيا لشهور عدة،حتى أعلنوا الخروج من حيادهم بعد أن تبين لهم الى أين تتجه البوصلة.
إسهامات الحركات والقوات المشتركة في حرب الكرامة مؤخرا،إسهامات عظيمة وقوية ومؤثرة،-لا أحد ينكر ذلك-لكن مالم ولن يتم قبوله مستقبلا أن تحتفظ الحركات بسلاحهها وتشكيلاتها العسكرية بعد الحرب،لأجل بلوغ غايات سياسية كماهم عليه الآن.لذلك فإن الأسلم أن تندمج التشكيلات العسكرية داخل الجيش،وتتحول الحركات الى أحزاب سياسية مدنية بعيدا عن إبتزاز عسكري لأجل مكسب سلطوي.
يبقي القول أن الراهن السياسي والعسكري أوضح وبما لايدع مجالا للشك، أن من سيرسم الشكل السياسي للحكم والإدارة هم من في الميدان الآن بكافة المسميات والإنتماءات،ثم الكلمة الأخري والأهم للشعب الذي إكتوي بنيران الحرب في “الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض وكردفان ودارفور”.
حقائق بارزة ينبغي أن يعلمها صناع القرار ومن يحوم حولهم من سدنة الأباريق وحاملى الأحذية ومشرعي السلطان الجدد وقابعي العواصم وفنادق الرفاهية،أن أمر هذا البلد الموجوع لن يحدده الا من أصابه الرهق والأذي،ومن لحق به الإذلال والفقد نتيجة الفواجع التى تسببت بها مليشيا “آل دقلو” الإرهابية التى باعت البلد وشعبه لإمارات الشر بثمن بخس دراهم معدودة.