إن مشروع العودة الطوعية جزء من المشروع الوطني الهادف لاستقرار الدولة وإطلاق برامج إعادة الإعمار.ومعركة الكرامة تدخل آخر فصولها دحرا للمتمردين وتطهيرا لأرض الخرطوم ودارفور من دنسهم كان لابد للمجتمعات المضيفة لمن أخرجوا من ديارهم بغير حق أن يشمروا لتمكين المهجرين من العودة إلى ديارهم وهم الذين ابتلوا في الأنفس والثمرات وفقدوا كل مايملكون إلا عزة نفسهم وكبريائهم الوطني وثقتهم في الجيش وقبل ذلك إيمانهم بالله ناصر المؤمنين.
فمثلما تداعى السودانيون واستجابوا لنداءات الاستنفار بأموالهم وانخرطوا في معسكرات الكرامة دعماً للقوات المسلحة وتأمينا لمناطقهم تحت رآية المقاومة الشعبية.وهم الذين ابتداءً فتحوا بيوتهم ومرافقهم المجتمعية من زوايا وأندية ومساجد كمراكز لإيواء القادمين إليهم من الولايات التي عاث فيها المتمردون فساداً لانظير له لا في تأريخ السودان أو العالم قديمه وحديثه.الترحيب بالمهجرين جاء في ملمح يذكرنا بحادثة الهجرة وماحوت وقدمت من صور الإخاء والأثرة المشكلة لمجتمع الجسد الواحد والبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا.
لقد كشفت الحرب عن معدن هذا الشعب النفيس الذي قابل الابتلاء بصبر وجلد ومقدرات عالية في التكيف مع الواقع والوقائع التي أفرزتها وهي دروس وعبر لنا وللآخرين.فلكل واحد من هؤلاء النازحين مايرويه انطلاقاً من تجربته الخاصة.ففي كل لقاء بهم نطالع عناوين ونقرأ فصولاً جديدة في كتاب ممهور بالدموع والدماء.
شعب واع مدرك لعظم البلاء وأن النصر صبر ساعة وأن الغد يحمل بشريات العودة وهم الذين رغم معاناتهم خرجوا وفاضت بهم الشوارع فرحا عند كل نصر يحققه أبطال الجيش والمستنفرين بدءاً من سنار وانتهاء بدخول القيادة العامة وملحمة تحرير الخرطوم التي شارفت نهاياتها.
وفي أعقاب كل انتصار تتحرك قوافل العودة الطوعية من كل الأصقاع في مشاهد إنسانية ينصهر فيها الوجدان وتختلط فيها المشاعر في لوحة إنسانية تعبر عن الأخوة الحقة وهي صور قلما تجد لها مثيلاً أو نظيرا في عالم اليوم منزوع الرحمة والعطف.
التحيات للوطن وهو يتعافى من البلاء ولأبطال معركة الكرامة يتقدمهم الشهداء والجرحى والمفقودين فهم الذين بعد الله بتضحياتهم جعلوا العودة ممكنة.والتحية تمتد لهذا الشعب الأبي المؤمن الذي صبر وصابر وقدم أعز مايملك واثقاً من النصر والعودة وظل يردد مع أمجد حمزة:”بكرة الهم يفوتنا ونرجع لي بيوتنا”