يُعتبر خطاب رئيس مجلس السيادة في ختام مشاورات القوى السياسية الوطنية والمجتمعية حول خارطة الطريق للحوار السوداني-السوداني بمثابة رسم لخارطة المرحلة المقبلة في السودان، حيث ركّز على القضايا الأساسية المتعلقة بالحرب، الوحدة الوطنية، والدور السياسي للمرحلة الانتقالية. يمكن تحليل الخطاب من خلال المحاور التالية:
1- الشرعية والتأكيد على دعم القوات المسلحة
افتتح رئيس مجلس السيادة خطابه بإشادة بضحايا الحرب، وخاصة شهداء معركة الكرامة، كما وجّه التحية للشعب السوداني لدعمه القوات المسلحة رغم الصعوبات. من الواضح أن الخطاب يسعى إلى تعزيز شرعية القوات المسلحة وتأكيد أنه يستمد قوته من الشعب، وهو ما يعكس رغبة القيادة العسكرية في كسب المزيد من الدعم الشعبي.
كما أن تركيزه على شكر القوات المشتركة والمستنفرين من مختلف الفئات يشير إلى أهمية تعبئة المجتمع لدعم الجيش، وهو تكتيك يهدف إلى إضفاء طابع وطني جامع على المعارك الجارية.
2- وحدة الصف الوطني والاستفادة من دروس الحرب
أكد رئيس مجلس السيادة على أهمية استخلاص الدروس من الحرب لبناء دولة مختلفة، وهو ما يعكس إدراكاً بأن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر كما هو، وأن هناك حاجة لإصلاحات جذرية. كما شدد على ضرورة إشراك القوى السياسية والمجتمعية في هذه المرحلة، معتبراً أن توصيات المشاورات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لاستكمال الفترة الانتقالية الجديدة.
تصريحاته حول أن الباب لا يزال مفتوحًا أمام من يرفع يده عن القتال وينحاز للوطن، توحي بمحاولة احتواء بعض الفاعلين في الأزمة، لكنه في الوقت نفسه وضع شروطاً واضحة لذلك، وهو ما يعكس استراتيجية عسكرية-سياسية تستهدف تفكيك قوة المتمردين.
3- الحريات السياسية وحدود المعارضة
أكد رئيس مجلس السيادة أن النظام لا يعادي الأفراد بسبب آرائهم، لكن شدد على أن المعارضة لا يجب أن تمس “ثوابت الوطن”. هذا الموقف يحمل بعدين: الأول محاولة طمأنة القوى السياسية بعدم الإقصاء، والثاني وضع خطوط حمراء ضد أي معارضة قد تهدد أمن وسلامة الوطن ومواطنيه.
إعلانه عن توجيه الجهات المختصة بعدم منع السودانيين من الحصول على الجوازات والأوراق الثبوتية يعكس ايمانه بحقوق المواطنين السودانيين في الداخل والخارج
4- مستقبل العملية السياسية: حكومة تصريف أعمال أم حكومة حرب؟
إعلان رئيس مجلس السيادة عن تشكيل حكومة انتقالية من كفاءات وطنية مستقلة يعكس رغبته في الحفاظ على طابع تكنوقراطي للحكومة القادمة، لكنه في الوقت نفسه وصفها بأنها “حكومة حرب”. هذا التوصيف يوضح أن الهدف الأساسي للحكومة سيكون دعم المجهود الحربي ضد مليشيا آل دقلو الإرهابية في المقام الاول وتحقيق انتقال سياسي شامل في المدى القريب.
كما أن رسالته للمؤتمر الوطني بضرورة الابتعاد عن “المزايدات السياسية” تشير إلى محاولة ضبط التوازن بين الفاعلين السياسيين، ومنع عودة الحزب الحاكم السابق إلى المشهد في الوقت الراهن وان ميدان التنافس مفتوح بعد تهيأة الميدان وانتهاء العمليات العسكرية
5- الموقف من المفاوضات ووقف إطلاق النار
أحد أكثر التصريحات الحاسمة في الخطاب كان رفض التفاوض مع المتمردين، إلا إذا انسحبوا من موازل المواطنين والمؤسسات الخدمية. هذا الشرط يجعل المفاوضات شبه مستحيلة في الظروف الحالية، ما يعني استمرار التصعيد العسكري.
رفض وقف إطلاق النار في رمضان، رغم أنه طُرح كوسيلة لتسهيل المساعدات الإنسانية، يؤكد أن القيادة ترى أن أي هدنة قد تمنح المتمردين فرصة لإعادة التمركز، وهو ما يعكس استمرار تبني الحل العسكري كأولوية مطلقة.
الخلاصة
خطاب رئيس مجلس السيادة يعكس بوضوح أن السودان لا يزال في مرحلة “إدارة الأزمة” أكثر من كونه في مرحلة الانتقال السياسي الحقيقي. التركيز على دعم الجيش، رفض التفاوض، تشكيل حكومة حرب، ووضع شروط منطقية لوقف إطلاق النار كلها مؤشرات على أن الحل سيصبح عسكريا.
في الوقت نفسه، هناك محاولات لإضفاء طابع وطني شامل على الأزمة، من خلال دعوة القوى السياسية والمجتمعية للمشاركة.
هذه المقاربة قد تطيل أمد الأزمة، لكنها أيضاً قد تحدد ملامح مستقبل السودان السياسي في مرحلة ما بعد الحرب.