الإثنين, سبتمبر 15, 2025
الرئيسيةمقالاتالسودان وثروته المنهوبة: الذهب بين الاستثمار المشروع والتواطؤ الممنهج ...

السودان وثروته المنهوبة: الذهب بين الاستثمار المشروع والتواطؤ الممنهج بقلم/ د. لؤي عبد المنعم

في لحظة فارقة من تاريخ السودان، حيث تتقاطع المصالح الوطنية مع أطماع الخارج، يبرز ملف الذهب بوصفه مرآة تعكس عمق الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد. فكيف يمكن تفسير دخول مسؤول سابق، يمتلك معلومات دقيقة وحساسة عن قطاع التعدين، كشريك في شركة أجنبية نالت امتيازات تنقيب في مناطق ذات احتياطي ذهبي ضخم؟ وهل من المقبول أن تمنح هذه الشركات حق التنقيب والتصدير، بينما تحرم الدولة من حقها السيادي في الانتفاع الكامل بثرواتها؟

إن ما يثير القلق المشروع هو غياب الشفافية في منح الامتيازات، وتكرار نمط الشركات التي لا تكتفي احيانا بالتنقيب، بل تتوسع في شراء الذهب من التعدين الأهلي والشركات الصغيرة، لتقوم بتصديره والاحتفاظ بعوائده خارج البلاد. هذا النموذج المتكرر في بعض شركات الامتياز البالغة 162 شركة، لا يمنح السودان سوى فتات العائدات، لا تتجاوز 7% (عوائد جليلة) من قيمة الإنتاج، إلى جانب ضرائب أرباح أعمال لا تستند إلى بيانات مالية موثوقة، إذ أثبتت التجربة أن بعض ميزانيات هذه الشركات لا تعكس حجم نشاطها الحقيقي ولا مشترياتها من الذهب المحلي.

غياب السيادة الوطنية

في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحة إلى مراجعة جذرية لقوانين الاستثمار في قطاع الذهب، بما يضمن لحكومة السودان حصة لا تقل عن 51% في أي مشروع تنقيب أو استخراج، أسوة بما تفعله الدول ذات السيادة الاقتصادية. فليس من المنطق أن تسمح دولة ما لشركة أجنبية او أهلية بالتنقيب عن ذهبها دون ضمانات عادلة و مشاركة فاعلة في الادارة، بينما يبارك بعض الاقتصاديين هذا النموذج تحت ذريعة دعم الاستثمار، حتى وإن شابه شبهات محاباة لمسؤولين سابقين، أو استغلال علاقاتهم الوظيفية، أو إفشاء أسرار الدولة لصالح أطراف خارجية.

من أي لك هذا؟

أما ما يثير الريبة، فهو الصعود المالي المفاجئ لبعض المسؤولين، ممن دخلوا الوظيفة العامة من بوابة الثورة والقبيلة، وكانوا لا يملكون قوت يومهم، فإذا بهم اليوم من أصحاب الملايين، دون أن يُسأل أحدهم “من أين لك هذا؟”. في بلد تغيب فيه الرقابة الاقتصادية، ويُشجع فيه الثراء غير المشروع، يصبح استغلال النفوذ ظاهرة ممنهجة، لا استثناءً عارضاً.

السودان بين النهب الخارجي والتواطؤ الداخلي

لقد نهبت فرنسا ثروات 14 دولة إفريقية، ونهبت الإمارات ذهب السودان، واليوم يبحث بعض المسؤولين عن وجهة جديدة للارتهان، بدلا من إصلاح القوانين واستعادة السيادة الوطنية. إن استمرار هذا الحال ليس قدراً محتوما، فالشعب السوداني، الذي يرفض أن يسلب حقه في ثرواته، لن يصمت طويلاً أمام هذا النهب المنظم.

لا بديل عن الإصلاح

ختاما إن ما يحدث في السودان لا يمكن وصفه إلا بأنه فساد مؤسسي وتبعية اقتصادية مقيتة. وإذا كانت الحكومة عاجزة عن توفير الاعتمادات المالية لاستخراج الذهب بشكل مباشر، فلتكن على الأقل شريكا فاعلا في كل مشروع استثماري، لا مجرد مراقب صامت. فبقاء الحال على ما هو عليه يعني أن السودان يسير بخطى ثابتة نحو أن يعرف بجمهورية الفساد، وهو ما لا يليق بتاريخ و كرامة شعبه.

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات