تتردد في أذهان الجميع صور مأساوية ومؤلمة تعكس المعاناة الإنسانية، وتجسد الفظائع التي قد يتعرض لها الأفراد في أوقات الأزمات. ومن بين هذه الصور، يبقى الوضع الإنساني لسكان مدنية الفاشر في شمال دارفور من أكثرها إيلاماً، حيث تتعرض الإنسانية هناك لأسوأ أشكال المعاناة والتعزيب نتيجة الحصار الجائر الذي يعاني منه الناس.
ان تاريخ الفاشر، هي المدينة التي كانت تسكنها أعداد كبيرة من السكان، شهدت على مر السنين صراعات ونزاعات متعددة أودت بحياة العديد من الأبرياء. ومع استمرار هذه النزاعات الان، فرضت إجراءات الحصار التي زادت من تفاقم الوضع الإنساني والاجتماعي بشكل لم يعد يُطاق أبدا. حيث أصبح الحصول على الغذاء والماء والدواء والمساعدات الإنسانية شيئاً من الماضي، وضربا من ضروب الخيال، وتدنى مستوى المعيشة إلى حدودٍ خطيرة. ويمكننا القول انها قد وصلت دون الصفر.
ويعاني سكان الفاشر من نقص حاد في الغذاء، مما أدى إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية، وخاصة بين الأطفال والنساء. إذ تشير التقارير إلى أن العديد من الأسر لا تستطيع تأمين وجبات الطعام الأساسية، في حين أن البعض يُجبر على التوجه إلى النفايات بحثاً عن ما يسد جوعهم. الموت جوعاً لم يعد قضية نادرة، بل أصبح ظاهرة تكتسح حياة الكثيرين من السكان المدنيين.
إن الحصار المفروض على المدنيين بالفاشر لا يمثل فقط قيداً مادياً على حركة السكان، بل هو أيضاً عقوبة جماعية تحرم الأفراد من حقوقهم الأساسية. وإن الوضع الصحي في المدينة في غاية السوء، حيث تفتقر كافة المستشفيات إلى الأدوية والمعدات اللازمة لعلاج المرضى، مما يزيد من عدد الوفيات.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي، تبرز الحاجة الملحة لتدخل إنساني عاجل. فمجرد النداء الإنساني لم يعد كافياً، بل يجب أن يكون هناك تحرك دولي سريع يهدف إلى إنهاء الحصار وتقديم المساعدات اللازمة. فالإنسانية تتطلب منا جميعًا أن نمد يد العون لمن هم في وضع ضعف.
إن مأساة سكان الفاشر ليست مجرد حدث عابر في صحف الأخبار، بل هي واقع مؤلم يحتاج إلى تحرك جماعي جاد من قبل المجتمع الدولي والاقليمي والمحلي. ويجب أن نكون صوتاً لأولئك الذين فقدوا أصواتهم، وأن نعمل معاً على كسر قيود الحصار الجائر، لنضمن حق هؤلاء الناس في الحياة والكرامة.
دمتم
