السبت, يوليو 26, 2025
الرئيسيةمقالاتزاوية خاصة ...

زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة من الهودج إلى الوطن… بعوضة بت اللذينااااا

أحرص كل الحرص ألا أكون ضحيةً سهلة لذاك الكائن اللئيم البعوضة ، التي لا تهدأ ولا تنام ، وتتحيّن الفرص لتنقض على ضحيتها مثل مقاتل غادر ، ويزداد حرصي أكثر وأنا أقيم في منطقة لا تعرف العافية كثيراً ، تتكاثر فيها الأمراض المستوطنة كالملاريا ، والمستجدة كالضنك والنزفية.

أكاد أكون الوحيدة بين زميلاتي التي لا تفارق الناموسية سريرها ، لا ليلاً ولا نهاراً ، لم أكتفِ بالناموسية العادية ، بل استغنيت عنها تماماً واشتريت ناموسية تركيب ، تُغلق بإحكام كما لو كانت قلعة منيعة ضد غزو البعوض.

منذ العصر او عصراً بدري ، أُحكم إغلاق النوافذ وأسد كل الثغور ، حتى أضيق الخناق على جيوش البعوض التي تتربص بنا في الفناء ، حيث الأشجار والحشائش والمياه الراكدة ، ومع كل هذه التحصينات ، هناك بعض البعوض لا ييأس ، ينجح أحياناً في التسلل ، ثم يتشبث بجدار الناموسية من الخارج وكأنه يتوعد ويتربص إن لقيت فرصة، والله إلا أوريك.

وذات ليلة وقعت الواقعة ، خرجت من الهودج(ناموسيتي) كما تحب زميلاتي تسميتها ، لكونها تشبه هوادج العرب الرحل فقط لأشرب جرعة ماء ، فتحت سوستة الناموسية على عجل ، ودخلت مجدداً بسرعة البرق ، لكن يبدو أن العدو وجد الفرصة الذهبية في لحظة الولوج ، أو ربما علق بملابسي مثل خفاش صغير دون أن أشعر به.

في تلك الليلة انتقم مني أشد انتقام ، ظل يطن فوق رأسي وانا اغض في نومي، يطير يميناً ويساراً ، يصطدم بجدار الناموسية ثم يعود ليهاجمني من زاوية أخرى ، حتى بدا لي وكأنني أعيش معركة استراتيجية متكاملة .

استيقظت على أذان الفجر ، وأنا أحك جلدي كما لو أصابتني حساسية جلدية ، وما إن أضأت الإنارة ، حتى وقعت عيني عليها البعوضة ، عالقة من الداخل على جدار الناموسية ، شامخة مثل قائدٍ عائد من نصر ، او مثل مسيرة أستراتيجية تستعد للإقلاع، وكأنها تقول”نلت منك، ودي كانت الضربة القاضية.

في لحظة انتقام ، أمسكت قاتل البعوض ، ورششت عليها رشة المنتقم الممغوص ، فرأيتها تتلوى وتطير وهي تتهاوى ، حتى سقطت ، ونالت جزاءها العادل .

وأقسمت قسمًا لا رجعة فيه أن أجعلها عبرة لمن يعتبر ، وعظة تُسجل في دفتر البعوض ، وتحكيها صويحباتها من بعدِها ، علهن يعرفن أن الهودج له حامية ، وأنني لست فريسة سهلة المنال.

ولعل في هذه الحكاية الصغيرة صورة رمزية لمعركتنا الكبرى كسودانيين ، في مواجهة من تسللوا إلى جسد الوطن مثل البعوض ، ينهشون في أطرافه ، يتحينون الثغرات ، ويبحثون عن لحظة غفلة ليدخلوا كما دخلت تلك البعوضة رغم التحصينات.

ما أشبه مليشيا التمرد بذلك الكائن الماكر ، وما أشبه تضحيات هذا الشعب العظيم بذاك السهر الطويل في وجه الخطر ، وما أشبه بعض دعاة التسوية والتدخلات الأجنبية بمن يفتحون سوستة الوطن من حيث لا يحتسب ، فيدخل الخطر متخفياً في ملابس الخداع.

السودان الآن في معركة تركيب ناموسية وطنية ، تغلق كل المنافذ أمام البعوض السياسي القادم من الخارج ، والمنتفع من الدماء ، والمتسلق على جراح الناس.

علينا أن نصطف ، أن نتراص ، أن نغلق النوافذ التي يدخل منها الخطر ، لا أن نتركها مفتوحة لطائرات التسوية ، وشباك الإملاءات ، وأصابع التدخل الخارجي ، علينا أن لا نخون تضحيات الشهداء الذين قدموا أرواحهم في وجه الصلف والعنف والانتهاك ، هؤلاء الذين دفعوا حياتهم ثمناً لصون هذا الوطن ، لن يغفروا لنا إن سمحنا للبعوض أن يعود ويطن من جديد في سماوات بلادنا.

فليكن لكل سوداني ناموسيته الخاصة ، ممثلة في وعيه موقفه ، شجاعته ورفضه للخيارات المعلبة القادمة من الخارج ، ولنجعل من البعوضة “بت لذين”… آخر ما يدخل…لنا عودة

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة

احدث التعليقات