الخرطوم – المجد نيوز : رجاء داؤد
في مشهد مروّع جديد يعكس تصاعد المخاطر الخفية التي تهدد حياة المدنيين في المدن التي توصف بـ”الآمنة”، شهدت الثورة الحارة الرابعة شمالي أم درمان، فجر اليوم، انفجارًا ضخمًا داخل أحد المنازل السكنية، أدى إلى انهيار المبنى بالكامل، واستشهاد عدد من المدنيين ورجال الشرطة.
وبحسب إفادات شهود عيان، وقع الانفجار بصورة مرعبة، مصحوبًا بدويّ هائل أدى إلى تناثر الحجارة وانهيار الجدران، فيما شوهدت ألسنة اللهب تتصاعد من بين الأنقاض.
تدخلت شرطة الدفاع المدني لإخماد الحريق وإنقاذ العالقين تحت الركام، وتمكنوا من انتشال جثامين بعض الضحايا، من بينهم اثنان من أفراد الشرطة فقدا حياتهما أثناء عمليات الإنقاذ، في حين لا يزال اثنان آخران في عداد المفقودين حتى كتابة هذا التقرير.
المؤشرات الأولية: ذخائر داخل المنازل
ووفقًا لشهادات محلية وتصريحات غير رسمية من عناصر الدفاع المدني، يرجح أن يكون سبب الانفجار مواد متفجرة أو دانات مدفعية مخزنة داخل المنزل، ما أعاد للأذهان سلسلة انفجارات سابقة شهدتها مدن مثل بورتسودان ومدني وكوستي خلال الشهور الماضية، كانت جميعها نتيجة تخزين أسلحة وسط أحياء سكنية.
المدن “الآمنة” تتحول إلى مستودعات خطر
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، لجأت بعض الجهات – سواء أفرادًا مسلحين أو مجموعات نظامية وغير نظامية – إلى تخزين الذخائر والأسلحة في منازل داخل الأحياء السكنية في المناطق التي لم تصلها العمليات الحربية المباشرة، كخطة وقائية أو بهدف الإخفاء. لكن هذه الممارسة تحوّلت تدريجيًا إلى مصدر تهديد حقيقي لحياة المواطنين.
ويرى الخبير الأمني العقيد (م) أحمد عوض أن “تخزين السلاح داخل الأحياء المدنية يعد كارثة استراتيجية، فهو يعرّض السكان لخطر الانفجار، كما يجعل تلك المناطق أهدافًا محتملة في أي توتر عسكري لاحق”. وأضاف: “المدنيون هم الخاسر الأكبر، فهم ينامون فوق قنابل موقوتة دون علمهم”.
فجوة في الرقابة وتواطؤ بالصمت
ويكشف ناشطون محليون عن غياب شبه كامل لأي رقابة على نوعية الأنشطة التي تمارس داخل المنازل، خاصة في الأحياء التي نزح إليها مواطنون من مناطق الحرب أو التي تنتشر فيها المجموعات المسلحة غير النظامية، مشيرين إلى حالة من “الصمت المجتمعي” حيال بعض الظواهر المخيفة كأصوات التفجيرات الصغيرة أو الاشتباه بوجود ذخائر.
وتشير تقارير سابقة إلى أن بعض منازل المدنيين تحولت في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه المخازن المؤقتة، دون أي مسوّغ قانوني أو وعي بالخطر. وغالبًا ما يدفع ثمن هذه الممارسات الجيران الأبرياء، كما حدث في انفجار الحارة الرابعة.
دعوات للتحقيق والمحاسبة
أثار الحادث موجة من الغضب والحزن على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث طالب مواطنون بفتح تحقيق عاجل للكشف عن هوية مالك المنزل وما إذا كانت توجد أسلحة مخزنة بداخله، ومعرفة الجهة التي تتبع لها.
كما طالبوا الجهات المعنية – وعلى رأسها الشرطة والدفاع المدني والنيابة – بفرض رقابة حقيقية على حركة الأسلحة في المدن، وسنّ تشريعات تجرم تخزين أي نوع من الذخائر داخل الأحياء السكنية.
لا أمان مع السلاح في المنازل
تظل المدن المصنفة آمنة في السودان عرضة لكوارث مفاجئة طالما ظل السلاح يتسلل إلى داخل الجدران، بعيدًا عن الرقابة والمحاسبة.
والانفجار المأساوي بالثورة ليس سوى تذكير صارخ بأن الحرب لا تقتل فقط في الجبهات، بل تزرع الموت بصمت في منازل الأبرياء.