أن التفكير عندما يتجاوز حقائق الواقع يبقى ضربا من العبث، و مشكلة السياسي السوداني يتعلق بأوهامه، و يرسم لنفسه عالم من الخيال في بنية تفكيره الذاتية، و يعتقدها الحقيقة التي يجب أن لا يتجاوزها الآخرين، باعتبار أنه يملك القول الفصل، و أية خلاف في الرأي هو خلاف يفارق الحقيقة و الواقع، رغم أن أوهامه هي سبب أساسي في فشله, و هذه الأوهام لأها أسبابها سوف اتعرض لها لاحقا..
عندما كتب صمويل هنتجتون كتابه ” النظام السياسية لمجتمعات متغيرة” و جاء ذكر السودان تحدث عنه، بأن الذي يقود التحديث في السودان و التغيير هي المؤسسة العسكرية التي حكمت عشرات السنين، و قال أن التحديث يتطلب تغيرات في القناعات التقليدية الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية لآنها هي البنية التي أذا تغير فيها الوعي سوف تقود إلي العصرنة و التحديث في المجتمع.. لكن السؤال يصبح كيف تتغير إذا هي نفسها ليس عندها مقومات تساعده على التغيير؟ كما هناك حقائق يجب الأعتراف بها، و البعض يريد أن يجعلها من المقدسات، رغم أن الفعل الإنساني متغير و متطور، إذا لم يكن بفعل داخل المجتمع، سوف يتغير بافعال من خارج المجتمع. لأنه ليس محصورا بين جدران، خاصة أن الفضاء أصبح مفتوحا للكل.. و من أوهام السياسيين التي يجب النظر لها هي:-
1– أن ثورة ديسمبر 2018م ثورة انفجرت من الشارع و ليس من دور الأحزاب هدفها كان هو اسقاط نظام الإنقاذ ” تسقط بس” و سقط النظام.. القيادات السياسية التي جاءت بعد الثورة و وقعت وثيقة دستورية مع قيادة الجيش أعلنت نهاية الثورة.. أنتهت الثورة و الشرعية الثورية و بدأـ شرعية دستورية، و ما حدث بعد توقيع الوثيقة مسؤولية الذين كانوا في السلطة و هم يتحملوا فشل الفترة الانتقالية كاملة..
2 – وقوع انقلاب عسكري يوم 25 أكتوبر 2021م هذه الانقلاب ليس له علاقة بالثورة له علاقة بالصراع الذي كان دائرا بين المكونين المدني و العسكري.. و معلوم لأي سياسي محترف و حتى للذين في الشارع الذين كانوا يقولون الجنجويد ينحل و العسكر للثكنات، يعلموا أن الدخول في مشادة و صراع عنيف مع العسكر سوف يستخدموا أدواتهم. و يحدث الانقلاب و يكون السبب راجعا لقلة الخبرة السياسية من قبل القوى المدنية..
3 – هناك بعض القيادات التي ظهرت في الساحة السياسية بعد ثورة ديسمبر باعتبارها قوى جديدة، أيضا هناك حقائق يجب تكون معروفة.. أن الذين كانوا في مؤتمرات الطلاب المستقلين و المحايدين في الجامعات كان وصولهم إلي رئاسة الاتحادات ليس بقوتهم الذاتية، هو في
الحقيقة صراع كان بين الإسلاميين و الشيوعيين، و كانا يستخدمان فيه الطلاب المستقلين.. كقوى تنفيذية و ليست سياسة تدرك ماهية الصراع. فكان الصراع الدائر تتحكم فيه المجموعتين الإسلاميين أو الشيوعيين حسب رؤيتهم لطبيعة المرحلة..
4 – أن جذوة الصراع السياسي الدائرة الآن في الساحة بين المجموعتين الإسلاميين بكل مجموعاتهم المختلفة و الشيوعيين الذين استطاعوا أن ينشروا ثقافتهم داخل قبائل اليسار و الأحزاب الجديدة ” الثورة و الشرعية الثورية و الحرب ضد الكيزان و الفلول و غيرها” كلها هي شعارات بثها الزملاء وسط تلك المجموعات.. و حتى وسط قطاع من الشباب..
5 – الصراع السياسي الحقيقي هو بين هاتين المجموعتين ” الإسلاميون و الشيوعيون” لابد من جلوسهم على مائدة مفاوضات للاتفاق على حل المشكلة السياسية، و عقد المؤتمر الدستورى و الاتفاق على مباديء الدستور الدائم للبلاد.. الإسلاميون متحركون في الساحة .. لكن القيادات الشيوعية تسجل غيابا كاملا مكتفية أن الأخرين حاملين ثقافتهم.. أن تغيير أي داخل القيادة الشيوعية و صعود أجيال جديدة سوف تكون فاتحة للحل..
6 – الأحزاب التقليدية ” الاتحادي و الأمة” أتضح من الحرب و ما قبلها أنها لا تملك أية قيادات فاعلة يمكن أن يكون لها دورا مؤاثرا… الحزبان يراهنان إذا جاء حكم شمولي لن يحرمهم من بعض المقاعد، و هم لا يريدون أكثر من وجود رمزي يستطيعون من خلاله خدمة مصالحهم.. و إذا جاءت الديمقراطية سوف لن تحرمهم من بعض المقاعد في البرلمان أيضا خدمة لمصالحهم، و إذا حدث انقلاب يحتاج لقواعدهم للتأييد..
من يريد أن يحل مشكلة السودان يجب أن ينطلق من هذه الحقائق… الإسلاميون لا يخافون من الحوار لأنهم مدركين أن قاعدتهم سوف تحملهم للبرلمان، لكن الزملاء الشيوعيين خايفين من الانتخابات، و يريدون الوصول للسلطة من خلال رايات ” الثورية و الثوار” أي ان تقوم ثورة جماهيرية و تسقط الكل و من خلال الشرعية الثورية يستلمون السلطة.. هذه أمنيات لن تتحقق مطلقا.. نسأل الله حسن البصيرة..