“الخرطوم خالية من الجنجويد”…
عبارة من سطرٍ واحد، لكنها كفيلة بأن تهز القلوب وتُسيل الدموع وتبعث الأمل الذي انتظرناه طويلاً.
ما زلت أذكر مساء السادس والعشرين من مايو 2023، حين غادرت منزلي في حي هجيليجة بصالحة. كانت الشمس تميل إلى الغروب، والقلوب تميل إلى الانكسار. نظرت إلى زوجتي وسألتني: متى سنعود؟
قلت بعد صمت: حين يصدر بيان من الجيش،( بيان نبيل اديب )، لا يشبه بيانات التبرير، بل يشبه الانتصار.
في تلك الليلة، حملنا أطفالنا وما تبقى من أشيائنا، ومضينا شرقا نحمل وطناً داخل قلوبنا، بعدما ضاقت علينا أرضه بفعل الغزاة. كنت أعلم أن الطريق طويل، وأن العودة ليست قريبة، لكنني كنت موقنًا أن الجيش لن يخون القسم.
مرّت الأيام…
عامان من التشريد، الذل، والحنين المرّ. تابعنا فيها أخبار الخرطوم وكأنها قصة عشقٍ مؤجلة. سمعنا عن المذابح، عن ترويع النساء، عن السطو والنهب، عن الموت في الطرقات. صلّينا من أجلها، وبكينا لأجلها، ودعونا الله أن تبقى واقفة رغم الخذلان.
لكن الجيش… آه من هذا الجيش، حين يصمت طويلاً ويصبر كثيرًا، ثم ينقضّ كالسيف على الخيانة.
اليوم، وبعد أكثر من 700 يوم من الحرب، أعلنها بيان من القوات المسلحة السودانية:
“الخرطوم خالية من الجنجويد”
وهنا فقط، عرفت أن حديثي مع زوجتي تحقّق، وأن الخرطوم عادت، لا كما كانت فقط، بل أكثر شموخًا وصلابة.
العودة هذه المرة ليست فقط إلى البيوت، بل إلى المعنى.
إلى الشوارع التي سكتت طويلاً ثم عادت تهتف باسم السودان.
إلى المدارس التي أُغلقت فصولها، وإلى المساجد التي صمت فيها الأذان، وإلى المآقي التي ذرفت ما يكفي من الدموع.
لقد قبر الغزاة في تراب العاصمة، وسُقيت الأرض بدماء شهدائنا الأبطال، الذين ماتوا ليحيا وطننا.
منهم من لا نعرف اسمه، ومنهم من نعرف قبره ؛ لكننا نعرف جميعًا أنهم أبناء وطن واحد… وطن اسمه السودان، لا تُحكمه مليشيا، ولا تشتريه أموال الخارج.
الخرطوم اليوم هي عاصمة العواصم، و”صالحة” التي كانت تئنّ في صمت، تستعيد أنفاسها الآن، و”هجيليجة” التي ودعتنا في الليل، تفتح ذراعيها لنا مع الفجر.
سنعود يا زوجتي…
سنعود يا أطفالي…
سنعود يا مسجد الصحابة، ومحطة هجيليجة، وبيوت أهلنا، وأزقة ذكرياتنا.
سنعود وكل شبر في هذه المدينة يروي قصة نصر سطرها الجيش والشعب والدم.
الرسالة اليوم لكل سوداني:
لا تفقدوا الإيمان بوطنكم. لا تتركوا للخذلان مكانًا بينكم.
توحدوا كما توحدنا خلف جيشنا.
افرحوا بانتصار الخرطوم… وتهيأوا لانتصار الوطن كلّه.في كردفان ودارفور
فالخرطوم التي عادت، لا تنكسر مرة أخرى.