أعلن السودان قطع علاقاته الدبلوماسية مع دولة الإمارات العربية المتحدة في لحظة فارقة من تاريخ الأمة السودانية،، كاشفاً عن وجه عداء إماراتياً كان مستتراً ، ورافعاً راية الكرامة والسيادة في وجه من أراد العبث بوحدة الوطن وأمنه. ليجئ القرار صائباً ومتماشياً مع ضرورة الوقت ولم يأتي لحظة انفعال سياسي أو مناورة دبلوماسية، بل جاء تتويجاً لمواقف دامغة وبراهين قوية ، أبرزها دعم أبوظبي السافر للمليشيا المتمردة بالمسيرات والسلاح والمال دون حياء أو استحياء، في محاولة يائسة وبائسة لزعزعة استقرار السودان وتقسيم ترابه.
فلم يعد خافياً على أحد الدور التخريبي الذي تلعبه الإمارات في الإقليم عامة والسودان خاصة ، مستغلة أموالها النفطية لتغذية الصراعات وتمزيق البلدان من ليبيا إلى اليمن، وها هي اليوم تنقل مشروعها كاملاً إلى السودان، داعمة لمليشيا فاقدة للشرعية ، لا تملك من الوطنية سوى الشعارات، ومن السياسة سوى فوضى السلاح.
لقد تجاوزت الإمارات كل الأعراف الدبلوماسية والأخلاق السياسية والحقوق الإنسانية ، فحين تتولى سفك الدماء السودانية على يديها وتفاخر بذلك وتفتخر ، فإن السكوت خيانة، والمهادنة خنوع، ولذلك جاء قرار قطع العلاقات قوياً وصريحاً أن من يدعم قتل أبناء السودان هو عدوٌ للسودان حكومة وشعباً ..
ففي رسالته الأخيرة التي اظهرت صلابة القائد وعراقة الأمة السودانية إذ خاطب الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان شعبه بلسان القائد الواثق، والزعيم المتصل بجذور أمته الصابرة المحتسبة الأبية ، مشيداً بعراقة الشعب السوداني وامتداده العربي والأفريقي، ومطمئناً أن هذه المسيرات الجبانة، التي ترسلها الإمارات حيناً بعد الآخر ، لن تزيد الشعب السوداني إلا ثباتاً ، ولن تزيد الجيش إلا قوةً وتأكيداً على دحر المليشيا واستعادة الحقوق والسيادة ..
كانت رسالة ولم تكن بياناً سياسياً فالفرق بينهما كبير ؛ بل كانت إعلاناً لمرحلة جديدة من الوعي الوطني والمسؤولية الآكدة ، مفادها أن السودان لا يُدار من الخارج مهما كان ، ولا يُركع بالدرهم ولا بالمسيرات وصواريخها ، وأن معركة الكرامة مستمرة حتى نهايتها الحتمية بإذن الله تعالى نصرٌ كامل أو شهادة في سبيل الأرض.
لكن هل أعدّ السودان لهذه المواجهة عدّتها؟ بل السؤال الأهم والمهم والذي يطرح نفسه بقوة هل نحن مستعدون استراتيجياً وعسكرياً واقتصادياً لتحمّل تبعات هذه الخطوة الجريئة؟ وأرى الآتي
- عسكرياً أثبت الجيش السوداني قدرته على الصمود والتفوق، رغم محدودية الدعم مقارنة بخصم يتلقى تمويلاً سخياً من الخارج. وما تحققه القوات المسلحة في الميدان يومياً هو برهان على أن الكفة بدأت تميل لصالح الدولة.
- استراتيجياً بات واضحاً أن السودان يعيد تموضعه في الخارطة الجيوسياسية، مستنداً إلى دعم شعبي واسع ومتجدد ، وعمق إقليمي وأفريقي متقدم ، وتحالفات قد تتبلور مع دول تعارض المشروع الإماراتي التخريبي .
- اقتصادياً التحدي لا يخفى، لكن في قلب الأزمة تكمن فرصة الاستقلال الاقتصادي، وإعادة النظر في مسارات الاستثمارات والتعاون الإقليمي، بعيداً عن التبعية المذلة لا سيما وأن السودان غني بموارده وعزيمة أبنائه .
على كل السودان اليوم في قارعة طرق ومنحيات إقليمية ودولية ، لكنه لم يكن يوماً أكثر وعياً بعدوه من اليوم ، ولا أكثر استعداداً للقتال من أجل حريته الآن . فقطع العلاقات مع الإمارات ليس نهاية المطاف ، بل بداية لمعركة الوعي والسيادة. وعلى الشعب أن يدرك أن هذه القرارات لها ما بعدها ، بل تحتاج إلى التفاف شعبي أكبر ، وإعلام وطني غيور ، واقتصاد مقاوم راكز ، وروح وثابة لا تنكسر. حتى يعلم العالم أن السودان لا يركع.. والسوداني لا يُستَعبد.. ومن أراد لنا الفوضى سنريه السيادة ولهيبها .