أَمَا آنَ لَنَا أَنْ نَكْتَفِيَ مِنَ الرَّكْضِ خَلْفَ سَرَابِ العَدَالَةِ، وَمُحَاوَلَاتِ إِقْنَاعِ العَالَمِ بِأَنَّ مَا يُرْتَكَبُ بِحَقِّنَا جَرِيمَةٌ شَنِيعَةٌ؟ أَمَا آنَ لِلْأَقْلَامِ أَنْ تَتَرَفَّعَ عَنِ المُنَاشَدَاتِ الَّتِي لَا تُجْدِيَ، وَلِلصُّحُفِ أَنْ تَكُفَّ عَنْ مَلْءِ صَفَحَاتِهَا بِمَطَالِبَاتٍ لَا تَلْقَى آذَانًا صَاغِيَةً؟
إِلَى مَتَى سَنَظَلُّ نُؤْمِنُ بِوَهْمِ العَدَالَةِ الدُّوَلِيَّةِ؟ نَرْكُضُ خَلْفَهَا، نَرْفَعُ الشِّعَارَاتِ، نَهْتِفُ، وَنُطَالِبُ بِالقِصَاصِ، ثُمَّ تَكُونُ الخَاتِمَةُ خَيْبَةً جَدِيدَةً؟ لَا أَهَمِّيَّةَ لَنَا فِي نَظَرِهِمْ، فَنَحْنُ طَبَقَةٌ يَرَوْنَ أَنَّهَا خُلِقَتْ لِتُبَادَ، لَا أَكْثَرَ.
إِنَّ عَدَالَتَهُمْ لَنْ تَكُونَ يَوْمًا مُنْصِفَةً لَنَا، فَعَدَالَةُ الأَوْطَانِ تُصْنَعُ بِأَيْدِي أَبْنَائِهَا. أَنْتَ مَنْ يُنْصِفُ وَطَنَكَ، وَأَنْتَ مَنْ يَنْهَضُ بِهِ إِلَى الأَمَامِ. لَدَيْنَا دُسْتُورٌ وَقَضَاءٌ وَشَرِيعَةُ الإِسْلَامِ، أَوَلَيْسَ ذَلِكَ كَافِيًا؟
لَنْ يَرْضَوْا عَنَّا، وَلَنْ نَرْضَى بِهِمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
إِذًا، لِمَاذَا لَا نَخْطُو خُطُوَاتٍ جَدِيدَةً؟ لَقَدْ أَصْقَلَتْنَا الحَرْبُ، وَغَيَّرَتْ كُلَّ شَيْءٍ. دَفَعْنَا الثَّمَنَ، وَتَعَلَّمْنَا الدُّرُوسَ، وَمَا زِلْنَا نَدْفَعُ! شُرِّدْنَا، حُرِمْنَا، تَشَرَّدْنَا، وَضَاعَ كُلُّ شَيْءٍ… وَرَغْمَ ذَلِكَ، مَا زِلْنَا نَطْلُبُ عَطْفَهُمْ!
نُدْرِكُ جَيِّدًا أَنَّهُ لَا إِعْلَامَ لَنَا عَلَى أَرْضِنَا. هُزِمْنَا ظُلْمًا فِي حَرْبٍ سَحَقَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَصْبَحَ صَوْتُنَا وَمِيضًا مَحْدُودًا، وَمُعَالَجَاتُنَا مُبْتُورَةً، وَأَحْلَامُنَا مُهَدَّمَةً.
الكُلُّ سُلْطَانٌ فِي مَنْصِبٍ، وَالنَّهْجُ مَا زَالَ مَعْهُودًا، وَالأَقْنِعَةُ ذَاتُهَا تُرْتَدَى، وَالقُيُودُ تَقُودُ إِلَى حَيْثُ لَا نُرِيدُ. أَنَا لَا أُطَالِبُ بِحُرِّيَّةِ الإِعْلَامِ أَوِ الصَّحَافَةِ؛ فَأَيُّ حُرِّيَّةٍ هَذِهِ، وَالفِكْرُ نَفْسُهُ مَسْجُونٌ؟! لَنْ أَبِيعَ الأَحْلَامَ لِلنُّجُومِ، وَلَنْ أَذْرِفَ الدُّمُوعَ عَلَى خَيْبَاتٍ تَتَوَالَى. لَنَا الصَّبْرُ وَالكِتْمَانُ فِي زَمَنٍ يُجْبِرُنَا عَلَى ذَلِكَ.
وَلَكِنَّ طَلَبِي إِلَيْكَ بَسِيطٌ…
هُنَاكَ بَرْنَامَجٌ يُعْرَضُ الآنَ عَلَى مَنَصَّاتِ التَّوَاصُلِ، بِعُنْوَانِ “النُّزُوحُ إِلَى المَوْتِ”، يُقَدِّمُهُ الإِعْلَامِيُّ وَالمُعَلِّقُ الرِّيَاضِيُّ عِمْرَانُ سُورَا الذَّهَبُ. البَرْنَامَجُ يُوَثِّقُ الحَرْبَ وَمَا جَرَى خِلَالَهَا، بَعْدَمَا عَجَزْنَا عَنِ الفِعْلِ، وَالنَّشْرِ، وَالتَّوْثِيقِ. أَلَيْسَ مِنَ الأَجْدَرِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى شَاشَةِ التِّلْفَزِيُونِ القَوْمِيِّ؟ إِنَّهُمْ أَهْلِي، وَجُرْحٌ فِي القُلُوبِ لَا يَزَالُ يَنْزِفُ.
كُلُّنَا اكْتَوَيْنَا بِنَارِ الحَرْبِ، وَمَا زِلْنَا صَامِدِينَ.
رِسَالَتِي إِلَيْكَ: اقْلِبِ المَوَازِينَ قَلِيلًا. لَنْ أُطَالِبَكَ بِالتَّفْكِيرِ خَارِجَ الصُّنْدُوقِ، لِأَنَّ الجَمِيعَ مَا زَالَ دَاخِلَهُ. وَمَا زِلْنَا فِي خِضَمِّ حَرْبٍ، وَلَكِنَّهَا اليَوْمَ أَشْرَسُ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى… حَرْبُ العُقُولِ.
سَلَامٌ يَا وَطَنِي… عَدْلٌ وَمِيزَانٌ لِأَحْلَامِنَا.
سَلَامٌ وَأَمَانٌ… فَالعَدْلُ مِيزَانٌ.